ندوة حول منهجية فكر الجماعات المتطرفة باسم الدين مع الدكتور أسامة الأزهري
استضافت مؤسسة طابة فضيلة الشيخ أسامة السيد الأزهري مستشار رئيس جمهورية مصر العربية، المشرف على مكتب رسالة الأزهري، عضو اللجنة العلمية لأبحاث مؤسسة طابة، وذلك مساء الأربعاء 7 رمضان الموافق 24 يونيو في خيمة طابة الفكرية بمقرها في العاصمة أبوظبي وسط حضور مكثف ومتنوع، وقد كان موضوع الندوة عن كتابه: «الحق المبين في الرد على من تلاعب بالدين، التيارات المتطرفة في ميزان العلم». يحتوي الكتاب عناوين رئيسية، مثل: الحاكمية، ومفهوم الجاهلية وانقطاع الدين وحتمية الصدام، ومفهوم دار الكفر ودار الإسلام، واحتكار الوعد الإلهي والاستعلاء به على الناس، ومفهوم الجهاد، ومفهوم التمكين، ومفهوم الوطن، والمشروع الإسلامي بين الحقيقة والخرافة.
أكد الدكتور أسامة الأزهري ، أن هناك إشكالية تواجه العلماء والمسؤولين، وهي تعدد موارد صنع التطرف، وأن التيارات المتطرفة عمدت إلى قراءة الوحي قراءة مغلوطة، عند انتزاع نص من القرآن الكريم، بخلاف وجود حالة من الالتباس تواجه البعض، وفي حالة تركها هكذا سيتحول إلى صاحب عقلية متطرفة، وأن أهل العلم يسعون للتفريق بين موارد صانعة للتطرف أو تكفيرية أو قاتلة، كظلال القرآن وغيره من المؤلفات التي تنحو نفس المسيرة، لذلك فإن كتاب «الحق المبين في الرد على من تلاعب بالدين» يرصد المنبع الذي استقى منه أصحاب التيارات التكفيرية فكرهم وتطرفهم، ولا يتحدث عن كل موارد التطرف.
ولفت في المحاضرة إلى أن هناك مؤلفات مقابلة لكل كتاب أو مؤلفا لوحظ فيه التشدد، وأن كتابه ليس قادراً وحده على مواجهة كافة التيارات المتطرفة وخاصة أنها مكونة من مراتب فكرية من بينها العنف، أو الفسق أو الابتداع، وكلها تحمل بذرات فكرة التكفير والعالم اصطلى بنار التطرف الفكري الذي تحول إلى ممارسات للقتل الممنهج.
وشدد على أن إهدار علم أصول الفقه أدى إلى تبديع كل شيء، وأن المسلمين غارقون في الحرام، وبعيدون عن الشر، ولو أن متطرفا وضع يده على علم أصول الفقه لتبين له أن كل ما يدعي أنه بدعة له أصله الشرعي، مؤكداً أن علم أصول الفقه محطة مهمة في محاربة التكفير والتطرف.
وناشد كافة الباحثين والعلماء، بالولوج إلى وسائل التواصل الاجتماعي، لمواجهة تلك الأفكار المسمومة، ووقف عملية التحول من إنسان متدين إلى متطرف إلى تكفيري ومن ثم ينتهي به المطاف إلى قاتل، مشيراً إلى اتساع خريطة التطرف، وليس كتابا أو كتابين قادرين على مواجهة هذا الأمر، لأن مراحل التطرف تشكلت بداية من مرحلة «البدعة، والفسق، والأضرحة.. وغيرها» وحدث انغلاق نفسي وفكري وإحباط من عدم القدرة على تغيير شيء، فيبدأ بالتكفير ويتلو ذلك القتل والتدمير.
التيارات التكفيرية
ولفت إلى أن التطرف الفكري والتيارات الإرهابية ملأت الفضاء حيث امتلأت (تويتر وفيسبوك ويوتيوب) وكافة وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت تشكل موجات من الحض على القتل والتدمير والتفجير، وتستهدف الشباب الجاهل والذي يعاني من الأمة الدينية، فيتم استقطابه، ويبدؤون في تشويه صورة مجتمعة، ومن ثم تفسيق المجتمع والوصول إلى التكفير ثم القتل، وكلها نتجت من الاعتقاد بما جاء في كتاب «ظلال القرآن» لسيد قطب، وبقية كتبه ومؤلفاته.
وقال الأزهري: إن فكرة كتابه الحق المبين، ليست استعداء مقابل استعداء، ولا علاقة له بشخص الكاتب فهو بين يدي ربه، ولكن كاتب الظلال يعد المنجم التكفيري الذي لابد من مواجهته، وفضح ما فيه من أخطاء واعتداء على الوحي، حتى لا يخرج علينا دواعش أخرى، مؤكداً أن داعش الحالية ستموت وتنتهي كغيرها من التيارات التي مرت علينا عبر تاريخ الأمة.
وبين أنه لابد من نقاش وتفكيك لأفكار داعش المغلوطة، من خلال تفكيك الأطروحة القطبية ذاتها، واستشهد على ذلك بأن هتلر مات وخلف وراءه 60 مليون قتيل، و60 مليون جريح، ودمر العالم، ولو نظرنا لتكوينه الفكري من خلال كتابه الشهير «كفاحي» لوجدناه استسقاه من كتاب وأفكار نيتشه حيث اعتمد هتلر على كتاب «هكذا تحدث زرادشت»، والمؤلف نيتشه، وهو سبب خلق شخصية هتلر وتكوينها الفكري والعقائدي.
وقال: إن أوروبا تحركت الآن من أجل وضع حد لعدم خلق نازيين جدد، حيث ينتهي العقد الموقع مع دار النشر لطباعة كتاب «كفاحي» لأدولف هتلر في الأول من يناير 2016، وخوفاً من أن تقوم دور النشر بطباعته بعد فك الحظر وتنتشر نسخ هذا الكتاب، في أيدي شباب يقعون تحت سيطرة الفكر النازي، تتم مناقشة الكثير من الأفكار لتنقية الكتاب مما فيه من مسببات للقتل والتدمير، وذلك من خلال هوامش على الصفحات توضح خطأ الأفكار والمعتقدات وتفنيدها أولاً بأول، حماية لمستقبل أوروبا من نازية جديدة، لأن إغراق الشباب بكتاب هتلر سيصنع حتماً نازية جديدة، إنهم يريدون تحصين الأمة الأوروبية وهذا هو التفكير الصحيح.
سيد قطب لم يعترف بالمفسرين
وتابع الأزهري أنه عندما أصدر كتابه «الحق المبين» كان يهدف لفضح وتفنيد وكشف المغالطات والأكاذيب والافتراءات التي امتلأت بكتاب سيد قطب «في ظلال القرآن»، وتأويله للآيات ولي عنق تفسيرها، وذلك حماية لجيل من شبابنا الحالي والأجيال القادمة من الانخراط في موجات تكفيرية، قادمة، وتحت مسميات جديدة، ويكفي أن نعلم أن سيد قطب قال عن نفسه إنه حفظ القرآن في قريته، وكان القرآن جميلاً وغضاً وله حلاوته، وبعد أن أتم حفظه، درس كتب المفسرين والفقهاء وغيرهما، فلم يجد حلاوة للقرآن كالتي كان يجدها عندما كان صغيراً، فيقول: «طرحت كل ما قرأته وبدأت أستنبط من القرآن».
وأضاف: أنه قام بتشريح ما ورد في كتاب سيد قطب، من خلال ما ألفه، وليس وحده القادر على باب التطرف، بل هو مادة خام ومحاولة لبيان ذلك للناس، وتوضيح أفكار إنما بعثت بالسيف، ورزقى تحت ظل رمحي، والمفاهيم التي وقع فيها أصحاب التيارات المتطرفة.
وأكد أن الميدان الحقيقي الحالي للمعركة مع التطرف والإلحاد والإرهاب هي على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي معركة طويلة وحقيقية، لمنع أبناؤنا من الوقوع في براثن الأفكار المتطرفة، وأن مدرسة أهل السنة والجماعة لا تقف أمام ذلك الفكر المتطرف إلا من خلال العمل الهائل على مواقع التواصل الاجتماعي، باستخدام شباب مؤهلين علمياً، راصدة لكل عنف، ولابد من هبة جماعية ومجهود ذهني وعلمي، ونشر والحث على تعلم أصول الفقه، لغلق كافة أبواب التبديع.
وخلص إلى أن شريحة العنف المؤقلم من تبديع وتفسيق، وتفويض، وعنف انفجر في مجتمعاتنا، وتحول المنتمين لهذا الفكر من الشباب، إلى عدم قابلية العيش في مجتمعاتهم والذي تحول إلى انتقام من المجتمع الذي يعيشون فيه، وهو نفس المنهج الذي نعايشه من تطرف من نوع آخر وهو التطرف اللاديني أو الإلحاديون، والذين هم مسالمون حالياً، قانعون، وسيتحولون إلى قتله قريباً ما لم ننقذهم من ضلالاتهم الفكرية، خاصة أنهم ألفوا مجموعات مغلقة ع الفيس بوك وغيرها، يرفضون المتدينين.
الحاكمية
وأكد الأزهري أن الفكرة المحورية التي تأسست عليها بقية مفاهيم التيارات الإسلامية هي فكرة الحاكمية، وهي الجذر الذي نهضت على أساسه منظومتهم الفكرية بكل مقولاتها، ومفاهيمها، وفروعها، ومنها تولدت بقية مفاهيمهم فانبثقت منها فكرة: شرك الحاكمية وتوحيد الحاكمية عند سيد قطب وأخيه محمد قطب، وتولدت من ذلك فكرة العصبة المؤمنة، وفكرة الوعد الإلهي لهذه العصبة المؤمنة، وفكرة الجاهلية، التي هي حالة بقية المسلمين، وفكرة المفاصلة والتمايز الشعوري بين الفئتين، وفكرة الاستعلاء من العصبة المؤمنة على الجاهلية وأهلها، وفكرة حتمية الصدام بين الفئتين عند سيد قطب لإقامة الخلافة، وفكرة التمكين، إلى آخر شجرة المفاهيم التي نتجت من قضية الحاكمية، والتي تتكون من مجموعها نظرية متكاملة داخل عقل تلك التيارات.
وأضاف: أنه عند التفتيش عن الخيط الناظم، والمنجم الفكري، الذي تولدت منه كل تلك الأطروحات، تبين أنه كتاب: (ظلال القرآن)، وأن ما سواه من كتب سيد قطب ككتاب: (معالم في الطريق) فما هي سوى مقتطفات من كتاب (الظلال)، حتى قال القرضاوي في: (مذكراته): (إن فكرة التكفير لمسلمين اليوم لم ينفرد بها كتاب «المعالم»، بل أصلها في «الظلال» وفي كتب أخرى أهمها «العدالة الاجتماعية»).
وقال: لذلك فـ(ظلال القرآن) هو المدونة الأساسية التي ترتكز عليها، وتنبثق منها كل تلك التيارات التكفيرية، مما يحتم وضعه تحت المجهر، وقيام عمل علمي نقدي دقيق، يعتصر الكتاب، ويلخص مقولاته، ونظرياته الأساسية، وعباراته المفتاحية، ويستخلص من بين أجزائه وصفحاته المطولة، وإسهابه البياني المستطرد: تلك المقولات الرئيسية.
وأوضح الأزهري أنه كان على رأس أطروحاته فكرة الحاكمية، والتي أخذها في الحقيقة من فكر أبي الأعلى المودودي، إلا أن سيد قطب قد طور تلك النظرية، وسخر لها قلمه وبيانه، فصنع منها نظرية متكاملة الأركان، تنضح بالتكفير، قال القرضاوي في مذكراته: (هذه مرحلة جديدة تطور إليها فكر سيد قطب ونسميها مرحلة الثورة الإسلامية، الثورة على الحكومات الإسلامية، أو التي تدعي أنها إسلامية، والثورة على كل المجتمعات الإسلامية، أو التي تدعي أنها إسلامية، فالحقيقة في نظر سيد قطب أن كل المجتمعات القائمة في الأرض أصبحت مجتمعات جاهلية، تكون هذا الفكر الثوري الرافض لكل من حوله وما حوله، والذي ينضح بتكفير المجتمع، وتكفير الناس عامة).
ويقول بعد ذلك: (وأخطر ما تحتويه التوجهات الجديدة في هذه المرحلة لسيد قطب هو ركونه إلى فكرة التكفير والتوسع فيه).
وقال ان سيد قطب بنى فكرة الحاكمية على فهم مغلوط لقول الله تعالى: (… وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)، «سورة المائدة: الآية 44».
حيث ذهب تبعاً للمودودي إلى تكفير الشخص بعدم إجراء الأحكام الشرعية، وإن كان معتقداً أنها حق، وأنها وحي من الله، حتى وإن كان لم يتمكن من إجرائها لعارض من العوارض.
وهذا مذهب غريب جداً، في غاية التشدد والتضييق، يسارع في التكفير، ويتوسع فيه، وهو مترفع عن فكرة أخرى عنده، وهي جعل الحاكمية من أصول الإيمان، فزاد في أمور الاعتقاد أمراً من عنده، ثم كفر الناس بعدم وجوده عندهم، وهذا بعينه مذهب الخوارج.
ومذهب علماء المسلمين جيلاً من وراء جيل، من طبقة الصحابة رضي الله عنهم، وقد ذهب العلماء إلى عدد من الأقوال والتوجهات في فهم الآية الكريمة، أرجحها أن الآية تعني من لم يحكم بما أنزل الله جاحداً كون تلك الأحكام وحيا وحقاً، فهذا كفر دون شك، أما من أقر أنها حق ووحي وأمر إلهي لكنه تعذر عليه تطبيقها فهذا ليس بكافر.
من يصلح للاجتهاد
أكد الدكتور أسامة الأزهري أن باب المصالح والمفاسد لا يصلح للاجتهاد فيه إلا من أحاط بمقاصد الشريعة جملة وتفصيلاً، كما قال الشاطبي، رحمه الله؛ فإنه قال في: (الموافقات): (الاجتهاد – إن تعلق بالاستنباط من النصوص – فلا بد من اشتراط العلم بالعربية، وإن تعلق بالمعاني، من المصالح والمفاسد، مجردة عن اقتضاء النصوص لها، أو مسلمة من صاحب الاجتهاد في النصوص، فلا يلزم في ذلك العلم بالعربية، وإنما يلزم العلم بمقاصد الشرع من الشريعة جملة وتفصيلاً).
وغياب المعرفة بمقاصد الشريعة، وغياب المعرفة بالسنن الإلهية، يتركان خللاً كبيراً في الفهم، ومن لم يحط بأمثال هذه العلوم فسد فهمه للنص، وفسد فهمه للواقع.
وللسيرة النبوية قواعد في الاستنباط منها، واستخراج الأحكام من وقائعها، ومن تسرع في الإلحاق بها والقياس عليها فقد كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، ونسب إليه نقيض شرعه، ومن كذب عليه فليتبوأ مقعده من النار، قال الإمام الزركشي في (البحر المحيط): (ثم وراء ذلك غائلة هالة، وهي أنه يمكن أن الواقعة التي وقعت له هي الواقعة التي أفتى فيها الصحابي، ويكون غلطاً، لأن تنزيل الوقائع من أدق وجوه الفقه، وأكثرها للغلط).
الدين ليس بمتهم
أكد الحبيب على الجفري، رئيس مجلس إدارة مؤسسة طابه، أن الدين ليس بمتهم ولكن نحن متخلفون غاية في التخلف، ولدينا تقصير في الإشكاليات، التي تواجه الشرع الإسلامي، رغم أن كل التيارات المعادية للإسلام قد سقطت، والعلمانية في مرحلة الاحتضار، ولكن نعاني من الإصرار على أن الإسلام مستهدف، وذلك هو ما ولد إشكالية التوقف عن استنباط الأحكام الشرعية مع مستجدات العصر، ولابد من الاجتهاد، والرد على الشبهات، وإلا فإنا آثمون إن لم نعرِ الفكر المتطرف الديني واللاديني.
وقال: إن هناك جزءاً خاصاً بواقع متأزم نعايشه، والتطرف الديني ليس وحده السبب في القتل، لكن هناك مشاكل اقتصادية ودول محتلة، ومشاكل سياسية، والتيارات التي تعمل في الواقع المشتعل حالياً كذبوا على الشريعة، من خلال أطر سياسية ممنهجة، وتراكمات مالية ودول مساندة، وتلال من الكتب، كما أن من يذكي وجودها استخدامها كورقة سياسية في يد البعض.
* المادة مأخوذة بتصرف من خبر جريدة الاتحاد