دروس من شرق آسيا؛ هل ينبغي أن ينعطف العالم العربي إلى الشرق؟
استقبلت مؤسسة طابة هذا الأسبوع الدكتور شاوجِن تشاي، باحث أول في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع في دولة الإمارات ومحاضر سابق في جامعة زايد وجامعة الشارقة الأمريكية، لإلقاء محاضرتين حول نماذج ثقافية محلية من شرق آسيا وما واجهته دولها من تحديات في الحفاظ على الهويات الثقافية والقيم المحلية خلال عملية التحديث والتنمية.
فقد مرت الصين خلال القرن العشرين بتجربتي الثورة الشيوعية والثورة الثقافية اللتين أرادتا إحلال أفكار حديثة محل مظاهر “الثقافة القديمة” بما فيها النطاق العملي للكونفوشيوسية. وبعد محو هذه المظاهر الروحية للعالم القديم تصدّر المشهدَ تنازع قوى الشيوعية والقومية والرأسمالية والفردانية؛ إذ اعتقد كثير من الثوريين الصينيين أنه لا سبيل لتحقيق الحداثة إلا بالتخلّص من المفاهيم الروحية القديمة.
غير أنّ الدكتور شاوجِن تشاي يرى أنه قد حصل إحياء للقيم الكونفوشيوسية التراثية في شرق آسيا على الرغم من المساعي الرامية إلى إزالة الفكر الديني المحلي. ففي اليابان، ثالث أكبر اقتصاد في العالم، ازدهر الاقتصاد والقيم التراثية مندمجة بعالَم الأعمال. وكوريا الجنوبية صارت على الرغم من التأثيرات الغربية قوة اقتصادية متنوّعة مع رغبتها الواضحة في الحفاظ على القيم التراثية والروابط العائلية التقليدية.
ومع أنّ الصين قد قُمِع كثير من تراثها الديني إلا أنّه بدأ يشهد انبعاثًا من جديد. فقد سُمح في الريف الصيني بحكم ذاتي محلي، وهو ما يتباين بشدّة مع مبادئ الحكم في الأيديولوجية الرسمية للدولة. وقد أظهرت مؤخرًا دراسات حول تأثير القيم التراثية انحسارَ الفساد في القرى التي تحافظ على القيم الدينية، وأنّ سكان المدن صاروا يميلون أكثر إلى الدين والروحانية.
وقد ذكر الدكتور شاوجِن تشاي أنّ شعب الصين لا يزال يحنّ إلى المعاني الروحية على الرغم من سعي نماذج العلمانية الغربية لملء الفراغ الروحي بالرفاهية المادية.
وفي ختام محاضرته اقترح الدكتور شاوجِن تشاي استقصاء أنماط شرق آسيوية للتنمية حيث إحياء التراث والحفاظ عليه محل تقدير، فقد يكون في ذلك نموذج بديل للعالم العربي وهو يناضل لمقاومة الانجراف الثقافي وسط ضغوط أنماط التنمية الغربية.
“فإن أي أمّة تصبو إلى التقدّم عليها أولاً أن تفهم ثقافتها الخاصة”. وبما أنّ نماذج التنمية في أي سياق غير كاملة فيمكن أن يستخدم العالم العربي نموذج الشرق ليكون متنبّهًا للتنمية الذاتية. وإنّه يجب الحفاظ على الهوية مع التقدّم، سواء كانت في اللغة أو الدين.
جاءت هذه المحاضرة باعتبارها جزءًا من مبادرة الدراسات المستقبلية في مؤسسة طابة.